ثم بعد ذلك تأتي مجموعة المراتب الأخرى: الأوتاد والأقطاب والأبدال والنجباء والنقباء والنفوس، فهؤلاء عموماً يسميهم
الصوفية : رجال الغيب، ولهذا نجد أن
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول: (إن رجال الغيب هم من الشياطين الذين تعتقدهم
الصوفية). وهذا المصطلح -أي: رجال الغيب- لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين، فيعتقدون بأشخاص وهميين يتصورون ويتشكلون ويتبدلون، ولهم معالم خفية غريبة كما سنرى، ويقال: إن رجال الغيب إنما هم من الشياطين ومردة الجن الذين يسعون إلى إفساد الناس، لبسوا على بعض العباد أو بعض الزهاد وكثير من العوام والسذج البلهاء أنهم رجال غيب، وربما ادعوا أنهم ملائكة، وربما جاء الرجل منهم وادعى أنه هو
الخضر ، أو أنه نبي من الأنبياء، أو أنه من الأولياء؛ ليلبس على هذا المسكين فيضله ويضل به أمماً وجموعاً كثيرة، ومن أشهر من كتبوا في هذا الموضوع:
ابن عربي صاحب كتاب:
الفتوحات المكية ، وقد احتوى على فلسفة عظيمة في بيان أوصاف وأحوال رجال الغيب، لكن لن نستطيع أن نأتي على الكتاب كله أو على جملة منه، فأخذت من تلخيص
الشعراني ؛ لأن
الشعراني لخص كثيراً مما قاله، وهو تلخيص مفيد وكامل في معرفة ماذا يريد أن يقول
ابن عربي، ثم
النبهاني وهو متأخر توفي سنة 1350هـ، وقد لخص أيضاً شيئاً من كلام
ابن عربي وغيره، وذكر
النبهاني مراتب هؤلاء من غير القطب، يقول: (فمنهم النقباء، وهم اثنا عشر نقيباً) وهذا العدد محدود لا يزيدون ولا ينقصون، غير القطب. ثم الأوتاد الأربعة، ثم الأبدال الذين هم سبعة كما سنذكر في كلام
ابن عربي، يقول: (إن منهم النقباء، وهم اثنا عشر نقيباً) وقال: (ومنهم النجباء، وهم ثمانية)، وهذا في كتابه:
جامع كرامات الأولياء ، وهو مطبوع ومحقق، قال: (ومنهم الحواريون) وهو واحد؛ لأن الحواريين في نظر
الصوفية رجل واحد في كل زمان، يقول: (لا يكون فيه -أي: زمان- اثنان، فإذا مات ذلك الواحد أقيم غيره حوارياً) يعني يموت حواري ويخلفه آخر، (ومنهم رضي الله تعالى عنهم -كما يقول- الرجبيون) وهؤلاء نوع من الأولياء لا ينالون مقام الولاية إلا في شهر رجب، فيسمون بالرجبيين، (ومنهم الأبدال) وهم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة كما يعتقد ذلك
الصوفية ، وهذا من كلام
ابن عربي كما سنوضح إن شاء الله.قال: (ومنهم الختم، وهو واحد لا في كل زمان) مثل: الحواري أو القطب، فيختم الله به الولاية المحمدية، فهو خاتم الأولياء، كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء. قال: (ومنهم ثلاثمائة رجل على قلب آدم عليه السلام، ومنهم أربعون على قلب نوح عليه السلام، ومنهم سبعة على قلب الخليل إبراهيم عليه السلام، ومنهم خمسة على قلب جبريل عليه السلام، ومنهم ثلاثة على قلب ميكائيل). والمسألة كلها وهم من وضع أناس لا يحكمون عقلاً ولا نقلاً، (ومنهم واحد على قلب إسرافيل) فهل هو القطب أو حواري؟ لا تسأل؛ لأنها كلها طلاسم، وكلها لا ضابط لها، قال: (ومنهم ثمانية عشر نفساً، هم الظاهر بأمر الله، عن أمر الله، ومنهم ثمانية رجال يقال لهم: رجال القوة الإلهية) قال: (ومنهم خمسة عشر نفساً هم رجال الحنان والعطف الإلهي) -تعالى الله عما يصفون- وكأن الله عز وجل لا يتحنن أو يعطف أو ينتقم أو يعاقب إلا من خلال هؤلاء، (ومنهم أربعة وعشرون) وهؤلاء أيضاً في كل زمان يسمون برجال الفتح، ربما يكون من شغلهم الفتح على
الصوفية مثلاً، (ومنهم رضي الله تعالى عنهم -كما يقول- واحد وعشرون نفساً هم رجال التحت والسفل) أي: أعلى العالم وأسفله، (ثم منهم ثلاثة أنفس هم رجال الإمداد الإلهي والكوني، ومنهم ثلاثة أنفس إلهيون رحمانيون في كل زمان، ومنهم رجل واحد، وقد تكون امرأة في كل زمان -هذا مركب ممتزج- لا يوجد غيره في مقامة، وهو يشبه عيسى عليه السلام، متولد بين الروح والبشر، لا يعلم له أب بشري كما يحكى عن
بلقيس أنها تولدت بين الجن والأنس، فهو مركب بين جنسين مختلفين، وهو رجل البرزخ يحفظ الله تعالى به البرزخ) إلى آخر هذا التخريف. فلاحظ مشابهته
للنصارى ، إذ يقول: إن عيسى عليه السلام متولد بين الروح والبشر، وكأنه مركب من جنسين أو عنصرين، وهذا الكلام باطل؛ لأن عيسى عليه السلام هو بشر بكل معاني الكلمة، والروح إنما أرسله الله سبحانه وتعالى لينفخ في
مريم عليها السلام، فليس هو مشاركاً أو جنسه مشاركاً لجنسها، فيتولد منه المسيح عليه السلام، لكن هذا من آثار تشبههم بدين
النصارى المحرف الباطل، كما أنهم يأخذون عن اليونان، ويأخذون عن
الهندوس، بل عن كل الفرق والنحل الضالة، وهذا الكلام
للشعراني ، لكن أكثر كلامه ملخص وموجز من كلام
ابن عربي ، أما
ابن عربي فيفصل، ونحن نذكر مقاطع من كلام
الشعراني ؛ لأنه لخص من
الفتوحات المكية.